قراءات جغرافية في الاحصاءات الصناعية

الملخص

    شهدت العقود الاخيرة تغيرا كبيرا وتطورا ملحوظا في علم الجغرافيا، ليس في منهجه ومحتواه فحسب، وإنما ايضا في الأساليب التي يعتمد عليها في تحقيق اغراضه وأهدافه. وليس من شك في أن أهم التطورات التي شهدها هذا العلم هو التعامل مع الأرقام أو ما عرف بالاتجاه الكمي المتمثل في تطبيق الأساليب الاحصائية الكمية في تحليل العلاقات المختلفة بين مكونات البيئة ونشاط الانسان، وفي دراسة المشكلات والظاهرات الجغرافية المتنوعة سواء كانت طبيعية أو بشرية بغية الوصول الى نتائج رقمية محدودة تختصر كثيرا من التحليلات الوصفية. ورغم أن لغة الارقام ليست بغريبة على بعض فروع علم الجغرافيا، إذ تعد البيانات الرقمية مصدرا رئيسيا تعتمد عليه مجالات التحليل وأساسا للبحث والدراسة منذ البداية في فروع مثل الجغرافية الاقتصادية وجغرافية السكان والجغرافيا المناخية، فإن ما شهدته السنوات الاخيرة يعد محاولة للتعمق في التعامل مع الارقام وتحولا نحو استخدام الأساليب الكمية في التحليل الرقمي في الدراسات والبحوث الجغرافية بعامة. وكان لهذا التطور أو التحول نتائج هامة اسفرت عن دفع عجلة هذا العلم والارتقاء به ...(فتحي عبد العزيز أبو راضي، الأساليب الكمية في الجغرافيا، دار المعرفة الجامعية، 2000، ص 7). 

   ويتوجب  في البداية  توضيح مصطلح "احصاء" الذي يشير الى معنيين رئيسيين(Hays, 1971) : فهو في معناه الضيق يستخدم للتعبير عن الكميات الهائلة من البيانات Data التي تجمع عن طريق الاستفتاء او التجارب أو الحصر مثل الاحصاء السكاني ، كميات الانتاج الزراعي والصناعي وحجم التبادل التجاري بين الدول. اي انه بهذا الاستخدام يختص بالحقائق والارقام Facts  and Figures . أما المعنى الثاني فيختص بالطرق العملية والاساليب العلمية (البسيطة والمعقدة) في معالجة وتحليل وتفسير البيانات بغرض الوصول الى نتائج مقبولة وقرارات سليمة (فتحي عبد العزيز أبو راضي، مرجع سبق ذكره، ص 16).

    إن الغاية والهدف من هذه الورقة البحثية هي قراءة  بعض المؤشرات الاحصائية في الصناعة والسكان بين المناطق في ليبيا، وتطبيق بعض الاساليب الاحصائية، ومحاولة تكوين تصور لأوضاع الانشطة الصناعية في ليبيا، من خلال محورين رئيسيين، يتناول المحور الاول ابرز المؤشرات الاحصائية الي اسفرت عنها نتائج اثنين من ابرز عمليات الحصر والتعداد المتعلقة بالأنشطة الصناعية في ليبيا في الاعوام 2001 و 2007  و 2009، والمتعلقة بعدة جوانب مهمة لا تتم دراسة الصناعة بدون الحصول عليها والرجوع بياناتها وتحليلها وقراءتها ومقارنتها، ألا وهي حصر اعداد المنشآت واحجامها وعدد العاملين بها والقيم المتعلقة بالمستلزمات الصناعية والقيمة الاضافية، وغيرها، الناتجة عن تلك الانشطة. أما المحور الآخر فيتمثل في استخدام بعض المعادلات الاحصائية البسيطة لقياس التوطن الصناعي في ليبيا على مستوى مناطقها المختلفة.